الأحد، 8 يونيو 2008

ويحتدم العشق

ويحتدم العشق
ونسقط كورقتي صفصاف
في العناق
نندمج كغيمتين
وبلا ريح نترنح في الافق
يتقاذفنا صوت الكمان
الي الف سماء جديدة وسماء
لكننا يا حبيبتي
لا ننصهر
فلا يكون المطر
دعينا لا ننهمر
فالمطر الثلجي يطفيء اللهب
دعينا لا نلتفت الي المدي
فالغيمات فرادي
والنجيمات شغلهن البريق عن العشق
دعينا نتجه سبحا نحو القمر
نخبأه خلفنا
حتي يفرغ عشاق الارض
دون العيون
وانا يا حبيبتي عاشق
علي شكل بشر
دعيني اتامل عينيك
لدي فرشاة الوان جديده
ولكني لا اجيد الرسم
ساحدد وجهك بالكلمات اذا
فالشعر صديق كالصيف
ياله من متسع بين يديك
سابوح الان
او للموت
فالبوح نجاة
والبوح هلاك

الاثنين، 2 يونيو 2008

لا أعرف ..


كيف لي ...
لا اعرف..ولا اريد ان اعرف
... لا اعرف لما انا اخونك الان..
لما اتلذذ...بكوني مع رجل اخر..
يهواني ..ينسيني..يقتل بداخلي فقاعات ذكراك ...
لا اعرف..كيف وانا اهوك...
كيف وانت كل ما اريد..
ابحث عن رجل اخر..
يسكن بداخلي.. يهواني..يعشفني.
.يمسح من عيني..دموع جفاك..
لا اعرف..
هل عشقتك يوماً..
هل احببتك يوميا..
نعم..اني اذوب في هواك..
اشتاق لكوني بين يداك.. ويؤلمني جدا
.. اني اخونك...
ولكني اعرف..
هل اريدك ان تتالم ..كما تالمت..
او تنزف ..كما نزفت..
لا اعرف..
ولكني اعترف ...
انا اخونك ..
يا رجلي..
يا حلمي..
يا حب عمري..

الثلاثاء، 20 مايو 2008

عهود الحب

ما زالت تلك المحاولات مستمرة , تلك المحاولات التى لا أدرى هل أصفها بالجدية أم بالعبثية .. محاولات البحث عن مرفأ , ألبحث عن معنى بعد أن ضاع المعنى .. أسئلة تلح على الذهن من قبيل " هل كان الحب الذى ضاع هو المعنى؟ أم أنه الوهم الكبير؟ " .. هل يمكن لها أن تصون أيمانها المغلظة التى أقسمتها ساعة الفراق ان لا يكون قلبها لأحد سواى حتى لو تملك اخر جسدها .. اذا اكرهوها على الزواج وقد يكون ذاك بملكهم , لكنهم لن يكرهوها على الحب.. قالت ان حبه طرق باب القلب الذى لم يفتح من قبل, ودخل فكان أول واخر من يدخل.. أغلق الباب من الداخل وانصهر المفتاح فى القفل فلا وسيلة لفتحه مرة اخرى.. هل يمكن أن تبقى تلك المشاعر حية بداخلها؟ .. وهل تريد لها أنت أن تظل حية؟ .. هل يستطيع ضميرك أن يتحمل ذلك العبء الأخلاقى؟ .. ديمومة وفائها لحبك بعد أن فرقتكما يد القدر قسرا وأن يظل قلبها لك قد تعبر عن معنى نبيل من معانى الوفاء, وقد ترضى بداخلك شعورا بالحاجة الى رباط ما يظل يربطك بها .. لكنها فى الوقت نفسه ترهق الضمير وتعذبه لما فيها من انانية ونرجسية لا ترى الا الذات ولا تبالى بحق شخص اخر فى أن يمتلك قلبها كما امتلك جسدها دون أن يدرى بأن قلبها حصنا فتح قبل غزوه له.
لكن أن تنسى أيمانها أيضا هول لا يطيق تصوره , اذ أنها ببساطة تعنى أنها أيمان خادعة بلا قيمة لم تستطع أن تصمد فى وجه الزمن ولو لحين , وفى قلب النار كما يقولون يختبر جوهر المعادن .. فما يعنى ذوبان أيمانها وعهودها , تلك الأيمان والعهود التى انسالت من شفتيها مع الدموع التى انسالت من عينيها لحظة الفراق فكانت بالنسبة لقلبه درة التاج الذى توج عهود المحبة والولاء فاذا ذابت فقد ذاب كل شىء واذا خانت تلك الشفاه الجميلة عهودها فعلى الدنيا السلام .. ولا فائدة ترتجى بعدئذ من البحث وراء معانى الحب والخير والجمال فى تلك الدنيا الفاجرة فكل شىء محض أكاذيب .
الأمر فى رأيه يتخطى حدود النرجسية .. هو يراه تهديدا لقيم عاش يؤمن بها طوال عمره وكان يخشى دوما أن يختبرها على أرض الواقع مخافة أن يصدم فيها .. كان يفضل جمالها وان كانت خيالا على قبح الواقع وغشامته.
وقف يرقب الأفق المختفى خلف ستار الضباب المنسدل فةوق صبيحة اليوم وفى داخله تتردد كلمات للشاعر اللبنانى جوزف حرب فى قصيدته " عمياء"
عمياء لست أرى له جسدا,
هذا حبيبى, صوته جسده.
لكأنه قد صيغ من زمن ,
أسبوع أجراس أنا أحده.
وجميل مالا العين تلمحه
من حبه , فى داخلى أجده
أنا أمسه, أنا يومه, وغدا
يا طيب أنى فى الغداة غده
يارب فى زد العما , فأنا
أخشى اذا فتحت ألا أجده

هبوط خطأ


بخطوات وئيدة تهبط سلم الطائرة مرتديا معطفك الأسود ممسكا بحقيبتيك الصغيرتين .. فى احداهما وضعت متاعك القليل وفى الأخرى تخفى كنزك الأبدى, ذكريات أيام الجنة التى كنت تحيا فيها قبل أن يجرى عليك ما جرى على كل جنسك من شقاء فتطرد من الفردوس.
فى قلب الحقيبة, وسط تلك الأشياء الصغيرة التى أهدتها لك أو صنعتها لك بيديها كانت تستقر صورتها فى اطارها المذهب وعلى ركن الصورة ذلك الشريط الأسود .. كانت تصغرك بعدة أشهر لكنها رحلت لتبقى أنت وحدك كشجرة عجوز تساقطت عنها الأوراق لتحيا فى خريف دائم .. كل ما حولك قد اصطبغ باللون الرمادى , لا زهر , لا لون ولا عطر ترتجيه من الغد, فلن يطرق الربيع بابك مرة أخرى , حسبك أن زارك الربيع مرة واحدة.
وجهها الرقيق ذو الابتسامة العذبة دائم الاطلال عليك من خلف الاطار المذهب وانت لا تدعه يفارقك ليلا أو نهارا , فى رحلاتك وأسفارك , وحتى فى أماكن العمل .. الصورة لا تفارق الحقيبة والحقيبة لا تفارق يدك , تقبض عليها بقوة فولاذية .. تخشى أن ينتزعها منك الزمن فى لحظة من لحظات الغفلة فينتزع منك الروح وينتزع من عقلك مراكز الادراك والوعى وتفقد الاحساس بالزمان والمكان والقيمة .. فهذه الصورة هى البوصلة التى تهديك فى دروب المتاهات .. هى الحقيقة فى عالم كل ما فيه كذب وضلال.
والان بعد غياب افترس من العمر أكثره , ها أنت تعود الى نفس الأرض التى انتزعتها من حضنك بعنفها المعهود .. لماذا عدت؟ ماذا تبقى لك فى تلك الأرض؟ وما عساك تجنى من ثراها؟ ألم تسمها أنت اكلة الأحلام؟ ألم تبن فى غربتك عالمك الخاص من الذكريات ؟ فعم جئت تبحث هنا وفيم جئت تأمل؟
يقودك الممر البراق الى الباب الخارجى للمطار بين صفوف الراحلين والعائدين , وفى الخارج تتلفت يمنة ويسرة بحثا عن " تاكسى" يقلك .. ولكن الى أين؟ .. هذا غير مهم, ليمض بى حيث شاء .. هكذا تقول لنفسك بلا مبالاة.
هى أرض لا تعرف لنفسك فيها وجهة فلماذا عدت اليها؟
هو مؤلف تراجيديات عبقرى ذلك القدر , شديد القسوة , لا تأخذه بأبطاله شفقة , يرسم مفاجاته فى نسج حكاياته بدهاء لا مثيل له.
لازالت عيناك تتلفتان يمنة ويسرة تلمسا للتاكسى .. وعلى غير انتظار يتمخض زحام الشارع عن تلك المفاجأة وكأنما انشق عنها بطن الغيب , حين ترى ذلك الوجه الذى يبرز من وسط الزحام ماضيا فى طريقه الى حيث تقف.
أصابك الذهول لوهلة وأنت تمعن النظر فى تلك الملامح التى بدت لك مألوفة وتساءلت: أهى هى؟؟ .. أطلت التحديق فى وجهها فجاءت من داخلك صرخة تعلن أنه من المستحيل أن تكون هى .. فتساءلت فى حيرة : لكنها نفس الملامح والقسمات, لم يكد الزمن يترك عليها أثرا لأيامه الطوال .. فأجابك الصوت الباطنى بلهجة أكثر حدة ورفضا : حتى لو كانت كما ذكرت فهى ليست هى .. حدق فى عينيها ان شئت لتتيقن .. وحدقت فى عينيها حين كادت تحاذيك , ودارت عيناها فيما حولها دورة عشوائية فوقعت أنت فى مجال ابصارها لكنها مضت عنك غير مبالية شأن من لم ير فيما حوله جديدا أو شيئا يستحق الأنتباه .. ولم تعجب أنت لعدم ادراكها لوجودك لأنك كنت فى تلك اللحظة قد ادركت الحقيقة .. كانت عيناك قد حدقتا مباشرة فى وجهها فرأيت بوضوح شديد داخل محجريها قطعتى الزجاج الباهتتين اللتين حلتا محل العينين فاصابتك رجفة امتدت الى قلبك لترسم على صفحته النقية ذلك الشرخ العميق .. أهاتان هما العينان البريئتان اللتان طالما حلمت بهما وتغنيت بجمالهما وصفائهما؟! هل تحولتا الى قطعتين من معدن رخيص فغاض منهما كل بريق للمشاعر وكل معنى للحياة؟!
عاد النداء الباطنى يناشدك ألا تحزن فالتى رأيتها منذ لحظة ليست الا شبحا فى تلك الدنيا التى نبذتها , دنيا الكذب والنفاق .. أما "هى" الحقيقية فهى تلك التى ترقد فى طمأنينة داخل حقيبتك خلف اطارها المذهب ذى الشريط الأسود وبين أضلاعك.
ابتلعت المرارة العالقة فى حلقك حين طرق أذنيك صوت سائق التاكسى الذى أطل من نافذة التاكسى صائحا " تاكسى يا بيه؟ "
كانت الغربة تناديك من بعيد لتعود فمالك وطن الا هناك , فتبسمت فى مرارة وقلت للسائق " متأسف, لقد هبطت هنا خطأ" ثم استدرت عائدا من حيث أتيت.

وردة المستحيل


بعد الفجر, فى تلك الساعة الساحرة, كان يقف فى شرفته المطلة على النيل, تلك الساعة التى استفاقت فيها الطبيعة من أنفاس البشر الثقيلة التى تجثم عليها طيلة النهار وحتى ساعات متأخرة من الليل, وها هى الان تسترد أنفاسها وقد انبعثت ايات الجمال فى كل شىء فيها, فها هى خيوط النور قد بددت ظلمة الليل كما يبدد الأمل ظلمة اليأس, وفى ضياء تلك الخيوط تجلت للعين قطرات الندى العالقة بأوراق الأشجار وخدود الأزهار, واستيقظت الطيور فى أعشاشها تشدو بأعذب الألحان مرددة أدعية الصباح الباكر, غلاف من الجمال البكر يكسو كل شىء أمام عينى ذلك الفتى الواقف فى شرفته يتأمل.. تلك هى ساعته التى يغتنمها من يوم طويل ملىء بالمتاعب, لكنها تنبه فى داخله أملا لا ينام, انه أمل اللقاء.
فى احدى الامسيات الشعرية كان يتخذ مكانه فى أحد الصفوف محاولا الانصات الى كل ما يقال عندما أهلت هى على المجلس فأثار مراها انتباهه, ربما هى تعبيرات وجهها وخطواتها الواثقة وجلستها الرزينة الهادئة. اتخذت مجلسها قريبا منه وأخذت ترقب فى انتباه كل ما يقال على حين مضى هو يرقبها بفضول وانجذاب. انشغل عنها لحظة قصيرة بالرد على سؤال سأله شخص ما يجلس الى جواره ثم عاد يبحث عنها الى جواره فلم يجدها فدار ببصره فيما حوله قلقا واذا به يراها تمضى نحو الميكروفون فى خطوات يكسوها الوقار والثقة بالنفس, ولما استوت أمام الميكروفون تبسمت وقالت " اساتذتى الأفاضل, زملائى الأعزاء.. اسمحوا لى أن أتلو على مسامعكم بعض أبيات سطرتها, ولست أدعى أنى شاعرة أو أديبة, ان هى الا بعض من خلجات النفس ونبضات القلب سطرتها كما أحسستها دون أن أدخل عليها تهذيب أو تشذيب" ثم مضت تقرأ أبياتها, أما هو فقد انجذب اليها بسمعه وبصره وجميع حواسه, ومع تدفقها فى الألقاء أحس بأنه يسحب من أوتار قلبه, وأحس بخفة شديدة وكأنه يوشك أن يطير, وظل يسمو مع أبياتها بيتا وراء بيت وهو مسحور, كان كل شىء فيها يفتنه, حركات يديها, تعبيرات وجهها, نطقها ومخارج حروفها, معانيها المتدفقة فى ألفاظ تكسوها الرقة, ما عاد يحس أنه امام امرأة من البشر, بل أحس بأن انهار الفكر والأدب والفنون قد صيغت جميعها تمثالا للابهار تجسد فى هذه المرأة.. أى اعجاز وأى سحر!! انه يحس بأنه نائم كاليقظان أو يقظان كالنائم وما استفاق الا على لمسة يد وضعت على كتفه, واذا بأحد أصحابه يقول " ألن تنصرف؟" فاستفاق سائلا" هل فرغت من القائها؟" فتساءل صاحبه" من هى؟!"
- تلك التى كانت تلقى علينا من خلجات نفسها ونبضات قلبها.
- "يشهد الله اننى لم استمع فى امسية اليوم لامرأة" قالها صاحبه مبتسما.
- تلك التى كانت تنشدنا وهى تقول انها ليست بشاعرة ولا أديبة!
- يبدو أن سنة من النوم قد غلبتك فرأيتها فى أحلامك.
فهز رأسه مستنكرا وقال فى عجب "ربما".
ما عاد يهمه بعد ذلك هل راها بعينيه أم بعينى خياله, لكنها لم تفارقه من لحظتها بل بقيت حية فى داخله يتمثلها دوما نموذجا للجمال السامى الذى لا تحيط ببهائه الحواس وانما تسمو اليه النفس بحاسة خاصة لابد من توافرها لادراك ذلك الجمال, جمال لا ترسمه فرشاة ولا قلم, جمال خالص بل هو معدن الجمال, جمال كجمال الخير والحق والفضيلة والحرية, يتمثلها فى شروق الشمس على جنة خضراء, يراها فى حمرة الشفق المتهادى على صفحة نهر أزرق صاف. وطارت به أجنحة الخيال فاذا بها زوجته يعود اليها كل يوم من دنيا المتاعب والمشكلات, وعلى أبوابها تنتهى الدنيا الصغيرة وتبدأ الدنيا الكبيرة, على أعتابها تموت الام الحياة لتولد الجنة وتفيض بحار السعادة حين تضمهما جدران أربعة. ها هو يتمثلها فى كل ليلة صورة من صور النفوس الرقيقة الشفافة ثمينة المعدن, فهو يراها فى ليلة شاعرة تتذوق وتهضم وتبدع وتنتقى له من بساتين الشعر والشعراء أطيب أزهارها وأشهى ثمارها, ويجنح الى سفينتها التى تتهادى به فى بحور الشعر, وتأخذ بيده ترتقى به فى قصائدها متنزها بين القوافى والأوزان ويجوز معها الأبيات بيتا وراء بيت مبهور الأنفاس مأخوذ اللب.
وفى ليلة أخرى يراها صورة أخرى من صور النفوس الراقية, يراها فنانة تمسك بأنامل من نور فرشاتها تغمسها فى الألوان ثم تحركها على لوحاتها وتسحبه من يده لتدخل به الى عالمها عالم الألوانو عالم الضوء والظل, عالم اللمسات الخفيف الساحرة المبهرة, تلك الفتاة التى يتمثلها حزمة رقيقة من الأعصاب المرهفة تصمم وترسم بعينى قلبها وعقلها ما تنفذه أناملها الساحرة, تنفصل عن دنيا البشر لتسافر فى دنياها الخاصة ثم تعود بعد رحلة فى عالم الجمال محملة بأحاسيس وقيم رفيعة وطباع رقيقة, تستشعر عن بعد مواطن الجمال والقبح فى الأشياء, لا تطيق صبرا على رؤية الفوضى والقبح, لا ترضى بشىء أقل من الكمال أو ما يقاربه اذا لم يكن لشىء فى الدنيا كمال.
وفى ليلة أخرى يراها وقد أمسكت بالتها الموسيقية تعزف وهو الى جوارها يستمع ويستمتع, وتتحرك الأوتار وتنبعث النغمات فى موجات أثيرية متتابعة يذوبان أمامها هو وهى.. أمام أمواج النغم يذوبان لكنهما لا يتلاشيان بل يتحولان الى طائرين صغيرين تحملهما الأنغام وتحلق بهما فى سماء واسعة وفضاء فسيح, يحلقان على هدى تلك الأنغام وكلما ازدادا تحليق ازداد الفضاء أمامهما اتساعا وجمالا لا يحده سقف, وقد اكتست الأرض تحتهما ببساط أخضر زانته شتى صنوف الورود والأزاهير.
وتوقف فجأة ليسأل نفسه " ولكن هل لمخلوق أن ينال الكمال؟ وهو لبشر أن يرث الجنة وهو يحيا على الأرض؟ وهل ما نتصوره السعادة والجنة سيكون جميلا فى دنيا الواقع- لو استطعنا الوصول اليه- كما هو جميل فى خيالنا؟ وأخيرا, لو تجسدت له كل تلك المعانى فى صورة انسان أحبه هل سيمضى اليه دون تردد؟" انه يشك فى ذلك بقوة لأنه يعرف نفسه جيدا, ان التردد لازمة من أقوى لوازمه, وسعادته لو كانت على مرمى حجر من قدمه, بل لو كانت على بعد خطوة منه ما قطع اليها تلك الخطوة دون تهيب أو تردد.
بدأت أشعة الشمس تأخذ طريقها صعدا الى كبد السماء, وتبخرت بفعل أشعتها قطرات الندى وتبخرت معها أحلامه الجميلة, وبدأت صفوف البشر تتدافع فى الطرقات, وعادت معهم ضجة الحياة التى تطحن فى رحاها المادية كل الأحلام.

الأحد، 18 مايو 2008

قلب من ذهب


نظر الى طويلا ثم أخفض رأسه قليلا ناظرا الى القلب الذهبى المعلق على صدرى ثم سألنى فى هدوء:
- لمن هذا القلب ؟!
فاجأنى سؤاله الغريب ولدهشتى له تحسست القلب وأنا أجيبه فى تلقائية:
- انه قلبى أنا !!
نطقت بها وكأننى أقر واقعا بديهيا لا ينبغى له أن يجهله
- أراه معك منذ فترة.
- انه معى منذ ولادتى.
- لذا تحفظتفظين به ولا يفارقك أو يغيب عنك لحظة؟
- ما أظننى خلعته للحظة , ولا غاب عنى دقيقة, انه يرافقنى منذ اللحظات الأولى لحياتى .. أشعر أحيانا أنه قلبى الحقيقى , يتألم لألمى وينتفض فرحا لفرحى .. أخاله أحيانا ينبض!!
- ياله من قلب صغير " قالها وهو يتأمله متعجبا"
- ولكنه من ذهب.
- ألا تخافين عليه؟
- مم ؟!
- من أن يضيع منك .. يفقد مثلا أو يسرق.
- انه معلق بسلسلة أحكمت رباطها وما ضاع منى قبل ذلك أبدا , أما أن يسرق فلن يسرقه منى أحد الا وأنا مغيبة عن الوعى .. ومن استطاع أن يسرق عقلى حق له أن يسبى قلبى.
نظر الى نظرة شك وتعجب وتركنى.
مرت أيام لم أحصيها .. وأتانى باسما ابتسامة نصر عجبت لها لكننى استقبلته باسمة. مد الى يده مضمومة ثم بسطها, ولشد ما فزعت حين نظرت الى كفه حيث يرقد قلبى الذهبى الصغير فى راحته .. لم تصدق عيناى لوهلة أنه قلبى .. بحثت فى عجلة عن قلبى على صدرى فلم أجده ..
رباااه .. ان قلبى بين يديه .. كيف ذلك؟!! .. تناولته من يده وقد قرأ اتهامى له فى عينى فقال مدافعا عن نفسه:
- مهلا , ما خطفته ولا سرقته فما أنا بخاطف ولا سارق .. لكننى رأيته يقع منك بعد لقائى معك فالتقطته يداى قبل أن يسقط على الأرض وأتيتك به لعلمى كم هو غال عندك.
هدأت ثورة عيناى تجاهه بل ووجدتنى راغبة فى الاعتذار له ونظرت الى قلبى الصغير مؤنبة معاتبة :
- كيف حق لك أن تتركنى؟! .. ما عاد لقلبى أمان.
تحولت ابتسامة النصر التى كانت ترتسم على شفتيه الى ابتسامة اشفاق وكاد أن ينصرف لكنه تحول الى قائلا:
- احذرى .. لقد غفل عقلك عن قلبك فكاد أن يضيع.

الفصل الخامس


أتدرى يا حبيبى أنك لم تكن ربيع حياتى ولا خريفها ولا صيفها ولا شتاءها .. لقد كنت فصلا خامسا فزت به وحدى .. فصلا أضيف الى عمرى فلونه وأبهجه.
كل امرأة فى الدنيا تترقب فى حياتها فصل الربيع , فصل الزهور والعطور , فصل الحياة بعد الموت .. ذلك الفصل الذى يأتى اليها حاملا الدفء بعد ان أجهدها الصقيع .. يأتى حاملا الحب على نسماته المعطرة.
كثيرات من زعمن أن الحب قد أشرق فى حياتهن فبدل جفافها نضارة وأحال ضجيجها الى لحن عذب خالد .. ولكن هل يمكن ان تكون هناك امرأة أحبت كحبى أو أعطاها الحب ما أعطانى؟! .. كلا , فهذا هو المستحيل بعينه .. لذا يا منية النفس أقول لك أنك لست ربيعى الذى كنت أتمناه .. فأنت فوق ما أتمنى وأحلم .. أنت الذى خلقت فى التقويم فصلا جديدا لم تعرفه امرأة قبلى ولن تعرفه امرأة بعدى.

* * *

يوم من أيام فبراير الممتعة , هنا فى الأسكندرية .. لكم أعشق هذه المدينة صيفا وشتاء لكن عشقى لها يزداد فى الشتاء , أستمتع بكل ما فيها , هدوءها اللذيذ واستسلامها الناعس لأحضان البحر , نزهاتى الصباحية على شاطئها وما يداعبنى به بحرها من رذاذ منعش ونسمات محملة برائحته التى تملأ كيانى , حتى تلك الأمطار الغزيرة أعشقها حين تتساقط على شعرى تساقط حبات الندى على الزهرة الظمأى .. لكن المدينة الساحرة والعروس الجميلة كانت فى ذلك العام أشد سحرا وأكثر جمالا فى عينى , ربما لأن سحره هو أبرز لى سحرها وما فيها من مفاتن , فسحره لم يطغ يوما على سحر الأشياء الساحرة وان فاقها , بل كان على الدوام مفتاحا الى الجمال فى كل شىء .. هل هذا لخصيصة فيه هو؟ أم أنه قد نبه فى داخلى حواسا كانت غافية فانتبهت لتدرك مواطن الجمال فى كل شىء حولى , أم أنه قد خلق تلك الحواس داخلى خلقا فأنا من أشد المؤمنين بقدرته على الخلق.
كانت ساعة من ساعات الأصيل , وكنا جالسين فى ذلك النادى الجميل القائم بين مياه البحر الزرقاء كجزيرة جميلة تتصل باليابسة عن طريق ممر حجرى أنيق.
كنا جالسين الى مائدة صغيرة مستديرة بجوار السور القصير الذى يلى البحر .. كنت أرنو الى الأفق متأملة زرقة الماء تلتقى بزرقة السماء وهالنى ذلك الوضوح الناصع لدرجات اللون وتساءلت " منذ متى كان احساسى بالألوان حادا بهذه الصورة؟!" .. اصطدمت احى الأمواج بالسور الحجرى المجاور لى وتناثر رذاذها على وجهى وساعدى وتطايرت خصلة من خصلات شعرى أمام عينى , عندها أحسست بأنامله تلامس جبهتى لتسوى تلك الخصلة النافرة .. سرت فى داخلى رعشة لمسرى أنامله كان لها فى داخلى دبيب كدبيب الخدر .. نظرت اليه بعينين مترعتين بحبه فاحتضن كفى بين كفيه وقال بحنان:
- فيم شرودك وصمتك يا حبيبتى؟
- "فيك أنت يا حبيبى" أجبته دون تفكير
- "فى أنا؟!" تسائل مبتسما
- نعم فيك أنت !!
- حدثينى اذن كيف تفكرين فى؟
فتنهدت بعمق لأملأ صدرى من أنفاس البحر المعطرة بأنفاسه وقلت:
- كنت أفكر فيما أحدثته من حراك فى بحيرة حياتى الراكدة .. لا أدرى كيف ظهرت فى حياتى على غير انتظار أو ان شئت فقل بعد أن أعيانى الانتظار ودب فى قلبى اليأس وامنت أن ما أصبو اليه من حياة حقيقية تحت جناح الحب لا مجال لوجودها سوى بين دفتى كتاب يحمل فى طياته أفكارى ومشاعرى وأحلامى وعلى غلافه ترتسم بضع زهرات جميلات وقلبان ورديان وعنوان يحمل قبسا من تلك الأنفاس الملتهبة التى تتردد فى صدرى الظامىء الى قطرات من ندى الحب .. هذا ما تيقنت منه بعد أن طال انتظارى ويأسى .. أما الواقع فقد أدركت أن على أن أحيا حياة سمجة كالتى تحياها الأخريات وأتحول الى الة لا مشاعر لها ولا أحاسيس , لها فى الحياة وظيفة بيولوجية معروفة هى أن تحمل وتلد وتربى جيلا اخر يعيد تلك الدورة من جديد , حتى ظهر فى حياتى الزلزال ...
- "أى زلزال يا زهرتى الجميلة؟" سألنى مداعبا فاستطردت مبتسمة:
- انه أنت يا حبيبى .. اشراقك فى حياتى لتبدد ظلمات نفسى وتحملنى على بساطك السحرى الى عالمك الفريد .. حملتنى الى دنيا كالأساطير كل شىء فيها ينبض بألوان قوس قزح الجميلة .. وبعصا الساحر التى كانت فى يمينك صرت تفتح لى كل يوم بابا الى الفردوس أبهى فى كل يوم من سابقه وتساءلت مبهورة " ألا تنتهى مفجاتك " فأجبتنى .. أتذكر بم أجبتنى؟
- وكيف لا أذكر يا حبيبتى وهذا حالى منذ عرفتك .. لقد قلت لك وأقول وسأظل أقول أننى أنا أيضا أعيش فيما تعيشين فيه من مفاجأة وأشعر بما تشعرين به من دهشة , اننى أفاجأ كل يوم بتلك الأبواب السحرية التى تحملنا الى ما ورائها من عوالم كرنفالية ملونة لم تخطر لى ببال ولا دارت لى بخيال .. ان حبك هو الذى خلقها وما كان لى فى ذلك من فضل سوى أنى ارتدتها معك .. فأنت يا واهبة الحب من وهبتنى تلك الحياة الجديدة بكل ما تحمل فى طياتها من مفاجات مثيرة.
قال ذلك ثم انحنى يقبل أناملى قبلا رقيقة عذبة كأنها مداعبات نسيم الصباح لخدود الزهر فلم أستطع أن أتدارك تلك الدمعة التى انحدرت من عينى وقلت له:
- أتدرى يا حبيبى أن حبك يبلغ بى أحيانا حد الألم والاجهاد؟
- لا كنت أنا ولا كان حبى اذا مسك ألم أو حتى كدر.
- أبقاك الله لى وأبقى لى حبك يا حبيبى .. بل انها عذوبة العذاب أو عذاب العذوبة , انه الألم الذى يسقى القلب قمة اللذة فى ذروة الألم .. اننى ما أكاد أفارقك حتى أتمنى أن أعود اليك , أن أرتمى على صدرك وأظل ملاصقة لقلبك أبد الدهر.
- انك مقيمة فى ذلك القلب لا تبرحينه يا زهرة قلبى.
- واذا حادثتك فى الهاتف حين تكاد أشواقى تدفعنى الى ذرى الجنون فان صوتك الحبيب يروى ظمأ ويشعل حريقا .. يروى ظمأ أذن عطشى الى صوتك الحنون , ويشعل حريقا من الأشواق, فالعين تتوق الى رؤياك والأنف يتوق الى أنفاسك المعطرة والقلب لا يهدأ وتنتظم دقاته الا على دقات قلبك .. أتدرى يا فؤادى أننى أسمع دقات قلبك وأراه أيضا حين أكون الى جوارك , حتى اذا ما غادرتك أحسست فى قلبى ذلك الوجع الشديد.
- لكننى يا حبيبتى لا أكاد أسمع لك حديثا حين أحادثك فى الهاتف!
- ذلك لأننى أحيا مع كلماتك .. تأخذنى من نفسى الى عالم جميل بعيد , فلا أريد أن أبدد لحظة دون الأستماع الى صوتك وحديثك العذب.
- لكنك لا تتحدثين حتى عند صمتى!
- يكفينى أن أستمع الى تردد أنفاسك .. انها تطربنى وتشعرنى بالأمان .. أحس بأنك الى جوارى .. أحس بأننى فى حضنك .. أحس لأنفاسك بحلاوة يتذوقها قلبى ويتلذذ بها كما يتلذذ اللسان بطعم العسل.
فى تلك اللحظة انتبهنا لقدوم شخص ما نحونا .. أقبل علينا ذلك الشخص مبتسما فابتسمنا فى ارتباك , فقال فى لهجة مهذبة :
- اسف لتطفلى , لكنى كنت أجلس جلستى المعتادة فى الركن المقابل لجلستكم تلك أحتسى قهوتى , فأثار مراكما فى نفسى مشاعر غريبة , أحسست بطاقة تنفتح أمامى الى عالم الابداع ولا أخالكما الا محبين .. فوجدتنى أمسك بمقصى وورقتى وأصنع لكما صورة "السلويت" تلك , فهذا هو عملى .. أرجو أن تتقبلاها منى , وأكرر أسفى لتطفلى.
ناولنا الصورة فشكرناه مبتسمين ودعوناه للجلوس مشكرنا بأدب ومضى منصرفا .. كانت صورة "السلويت" التى صنعها لنا شديدة الجمال حيث رسم لى ولحبيبى منظرا جانبيا "بروفيل" كفاى بين كفى حبيبى ووجهانا متقاربان فى حديث هامس , فقلت أنا فى فرحة طفولية:
- انها جميلة جدا , أنظر يا حبيبى.
فتناولها حبيبى وابتسم قائلا:
- أرأيتى يا نسمة الجنة كيف أنك ملهمة ليس لى وحدى بل للدنيا بأسرها.
ابتسمت وقد احمر وجهى خجلا لرقة ثنائه .. أحسست بأننى أهواه بكل ما فى قلبى من نبض وكل ما فى داخلى من طاقة .. انه يمس روحى مسا خفيفا ناعما له فى نفسى فعل السحر .. انه يسقينى كأس الحب صافية مقطرة فى ثنايا كلماته ونظراته وابتساماته , اننى لا أكاد أصدق أن ما أحيا فيه واقع وليس بحلم .. انه شىء يفوق الخيال فكيف يكون واقعا.

* * *

والان يا حبيبى وقد تبخرت سحابة الحلم الوردية وهوى بيتنا الجميل الذى بنيناه فوقها , ها أنا أتساءل لماذا افترقنا؟! أهى مشيئة القدر التى فرضها كالسيف المصلت فوق رقابنا رغم أنوفنا ورغم دموعنا وتوسلاتنا؟ .. ولكن هل يقوى القدر على هزيمة الحب , اننى لا أكاد أؤمن بوجود قوة كونية قادرة على هزيمة الحب واى ذلك هو حبك الذى مازال متقدا بين جوانحى كالجمرات التى لم تنطفىء رغم السنوات الطوال , لم تنطفىء رغم حرمانى من رؤياك وسماع صوتك , بل انها لتزداد اتقادا متحدية قوانين السلوى والنسيان .. ان حبك يا ثمرة فؤادى تنميه لحظات العذاب كما تنميه لحظات الهناء .. انه يتمدد كمخلوق خرافى ليحتوى كل الأزمنة والأمكنة فلا مفر منه الا اليه .. أم ترى يا حبيبى أن سر تخاذلنا فى الدفاع عن ذلك الحب هو استكثارنا لوجوده فى دنيا كدنيانا ؟.. أهو الاحساس بأن ذلك حدث أعظم من أن يطيقه الواقع فلا حياة له الا فى دنيا الخيال وكتاب الذكريات ؟.. أهو احساسنا كما قيل أنه حلم نجمى أكثر تألقا من أن يدوم؟
الان يا حبيبى وقد انقطعت بيننا السبل لعلك تتسائل عما فعلت بى السنون؟ هل دخل قلبى رجل اخر؟ تلك الأسئلة قد تجول بفكرك كما تجول بفكرى.
اننى أطرح الان سؤالين قد يحملان الأجابة التى لن تصل اليك لتبقى أسئلتك بلا اجابة كما ستظل أسئلتى بغير جواب , وأسئلتى يا من وهبتنى نعمة الحب هى : هل يملك الانسان فى تلك الحياة سوى قلب واحد؟ وهل ذلك القلب يا مالك قلبى دار ضيافة تودع زائرا لتستقبل اخر؟
اننى لن أقول لك ما قد قيل من أن الحب هو تاريخ المرأة وهو حادث عارض فى حياة الرجل , لكننى سأقول لك أننى قد ذقت حلاوة الحياة الحقيقية كما لا أظن أن امرأة قد ذاقتها قبلى أو أن أمرأة قد تذوقها بعدى وأن ما وهبتنى أنت من حب يكفينى زادا الى اخر رمق لى فى تلك الحياة , أما فيما وراء تلك الحياة فان روحى تبصر اجتماع شملنا , روحى التى لم تفارقها روحك لحظة رغم افتراق الأجساد.
اننى تسائلت مرة ماذا لو أوتيت القدرة لأنفك عن حبك فعلمت أن ذلك سيتبعه أشياء كثيرة , فعلى حينئذ أن أحذف من قاموس حياتى كلمات كالاخلاص والوفاء .. وأن كلمات أخرى ارتبطت حياتها داخلى بحياة الحب كالخلود والالهام ستبهت فى وعيى وتتلاشى وأن ذلك سيقود بلا ادراك الى فقدان كلمة الحب كل مذاق لها أو بريق لتغدو خرقة بالية لا تحمل فى طياتها معنى نبيل ومع ذوبان الحب واهب القيم الدائم تذوب من حياتى كل القيم الأخرى كالخير والجمال والفضيلة , وهذا كله لا يعنى سوى اننى أفقد ذاتى وأتلاشى .. فلا وجود لى الا بوجود حبك فى قلبى حارسا لبقائى وكينونتى وراعيا لكل معنى جميل يسكن صدرى.